صابر (مشرف منتدى كلام فى السياسه)
عدد الرسائل : 77 العمر : 36 الموقع : https://sana.yoo7.com تاريخ التسجيل : 21/05/2008
| موضوع: أمريكا والعرب.. ومحاور الشر السبت مايو 31, 2008 2:27 am | |
| [size=16] بقلم: صابر ـ لم تكن اختيارات الرئيس الأمريكي بوش في خطابه الأخير عن «حال الاتحاد الأمريكي»، للدول والجماعات التي تعتبرها واشنطن الآن مصدر «شر وإرهاب»، هي اختيارات عشوائية، بل إن هذه التسميات تتجاوز أيضا بعض التفسيرات التي أوحت أن سببها هو أوضاع انتخابية أمريكية أو مجرد «زلاّت لسان» اصبح مشهوراً بها الرئيس بوش. فالمؤسسة العسكرية الأمريكية تضع الآن عناصر السياسة الخارجية الأمريكية وهي تستفيد من أي طروحات سياسية متشددة تحمل مؤشرات الحرب في أمكنة مختلفة من العالم. وإذا كان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد استهزأ من التصريحات الفرنسية المنتقدة لطروحاته عن «محور الشر» فماذا سيقول الرئيس الأمريكي الحالي للرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الذي انتقد أيضا هذه التسمية واعتبر أن إزالة آثارها ستأخذ أعواماً طويلة؟ تحليلات وكتابات كثيرة تعاملت مع ما جاء في خطاب الرئيس بوش عن «حال الاتحاد الأمريكي» وما أحدثه هذا الخطاب من «حال انقسام عالمي» وحذر دولي شديد من النزعة العسكرية التي سيطرت عليه.
ورغم المحاولات الأمريكية لتخفيف الآثار السلبية لهذا الخطاب، فإن ما ورد فيه من أعلى مرجع مسئول في واشنطن، اصبح بمثابة كرة الثلج التي يكبر حجمها باستمرار انزلاقها من قمة الجبل العالمي التي تقف عليها الولايات المتحدة.
ولا يبدو في الأفق القريب ما يشير إلى استعداد أمريكا للتراجع عن هذه المواقف التصعيدية في السياسة الخارجية، فهي مواقف تخدم جملة خطط أمريكية تشمل الشرق الأوسط وآسيا وما فيهما من مصالح أمريكية ومخازن نفط ومصادر عداوة متوقعة للقطب العالمي الأوحد الراهن.
إن المسافة الجغرافية التي تفصل ما بين العراق وكوريا الشمالية، مروراً بإيران، هي الآن بؤرة الاهتمامات الأمريكية في مطلع القرن الجديد. لذلك يصبح أيضا التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان وعدة دول محيطة ببحر قزوين هو تواجد مهم لضبط إيقاعات مستقبل الحرب والسلام والاقتصاد والتوجهات الثقافية عند أمم وشعوب تختلط فيها الحضارات والصراعات على شريط يمتد من الصين واليابان إلى الهند وباكستان إلى الابواب الخلفية لروسيا، إلى مخازن النفط العالمي في الخليج وقزوين، إلى البوابة الشرقية لكل من الأمة العربية وأوروبا. فالحديث الأمريكي عن «محور الشر الثلاثي: العراق، إيران، وكوريا الشمالية» هو حديث عن كيفية ضمان «الخير الثلاثي الأمريكي»: السيطرة على النفط ـ التحكم بالمواقع الاستراتيجية الجغرافية- ضمان الأحادية القطبية الأمريكية. وما زلت اذكر قول الرئيس الأمريكي السابق كلينتون عام 2000 بان «القرن العشرين كان قرناً أمريكياً وبأن على أمريكا أن تعمل أيضاً ليكون القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكيا». فلقد نجحت أمريكا في القرن الماضي بالتعامل مع تطورات عالمية كثيرة بدأت في مطلع القرن العشرين بحرب مدمرة لأوروبا ثم تكررت فصولها بشكل أبشع في الحرب العالمية الثانية التي ختمتها أمريكا باستخدام القنابل النووية ضد اليابان من اجل تكريس نفسها كمنتصر أول في الحرب ومن اجل إضافة اليابان (الآسيوية) إلى الفلك الأمريكي الجديد الذي نتج عن انهيار أوروبا عسكرياً واقتصادياً.
ثم نجحت أمريكا في جعل العالم يقوم على حلفين أو محورين: «حلف الخير الديمقراطي الرأسمالي» (الأمريكي/ الغربي)، و«حلف الشر الدكتاتوري» (الشيوعي/ الشرقي)، وكانت ساحة الصراع بين المعسكرين هي دول العالم الثالث غير المحسوم انتمائها نهائياً لأحد المعسكرين. فموسكو وواشنطن حرصتا خلال الحرب الباردة على عدم التدخل المكشوف والمفضوح في دائرة المعسكر الآخر، واحترم قادة المعسكرين ما حصل في يالطا من اتفاقية توزيع الغنائم بعد الحرب العالمية الثانية، لكنهما استباحا لأنفسهما كل دول العالم الثالث.
وهكذا كانت المنطقة العربية ودول العالم الإسلامي ساحات صراع عسكري وسياسي وعقائدي لحوالي نصف قرن، حيث انتهى هذا الصراع عالمياً بفوز واشنطن وهزيمة موسكو الشيوعية.
لقد مارست واشنطن في نصف القرن الماضي (أي في فترة الحرب الباردة) سياسة قامت على ثلاثة محاور: محور العدو (أي الاتحاد السوفييتي)، محور الأصدقاء (أي أوروبا الغربية)، ثم محور الخصوم (اي الدول غير المصنفة نهائياً في احد المعسكرين كالصين والبلاد العربية وعدد من دول آسيا وأفريقيا).
وحرصت واشنطن في هذه السياسة على «عزل العدو» وعلى «تعميق الصداقة مع الصديق» وعلى «تحييد الخصم قدر المستطاع». وعندما انهار «العدو» اصبح مطلوب أمريكياً تبعية «الصديق» بدون اعتراض، وفرز الخصوم بين أعداء جدد أو أتباع جدد!! إن أمريكا لم تصنع الحرب العالمية الثانية لكنها استفادت من تداعيات الحرب لكي تُضعف المنافسين الأوروبيين الذين تربعوا على عرش زعامة العالم منذ الثورة الصناعية في أوروبا. إن أمريكا لم تخطط للعدوان الثلاثي (البريطاني/الفرنسي/الإسرائيلي) على مصر عام 1956 لكنها استفادت من ثورة المنطقة العربية على البريطانيين والفرنسيين من أجل وراثة دورهم ونفوذهم في منطقة الشرق الأوسط. إن أمريكا لم تشعل نار الخلافات العقائدية والسياسية بين روسيا والصين خلال فترة الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي لكنها استفادت من الصراعات الداخلية في الدائرة الشيوعية من أجل عزل الاتحاد السوفييتي وانشغاله في «حروب عقائدية داخلية».
طبعاً هناك عدة حروب وصراعات بدأتها أمريكا أو خططت لبعض تفاصيلها لأجل توسيع دائرة هيمنتها أو لتحجيم نفوذ المنافسين لها. بعض هذه الحروب سارت في اتجاه الهدف الأمريكي وبعضها الآخر مشى في الاتجاه المعاكس لرغبات واشنطن، لكن الحروب كر وفر، وقد فشلت امريكا في اماكن عديدة كان ابرزها في الميدان العسكري خسارتها لحرب فيتنام، وكان أهمها في الميدان السياسي خسارتها لموقع النفوذ في إيران وعجزها عن حماية نظام الشاه من طوفان الثورة الشعبية الإيرانية. فشلت واشنطن في إيران بنهاية السبعينيات لكنها نجحت في الآونة التاريخية نفسها ببدء حرب استنزاف طويلة لمنافسها السوفييتي من خلال اطلاق ظاهرة المجاهدين الافغان ضد الحكم الشيوعي في كابول المصنوع سوفييتياً. فشلت واشنطن في إيران بنهاية السبعينيات لكنها نجحت في تشجيع العراق وإيران على إشعال حرب مدمرة للبلدين معاً ولثروات منطقة الخليج العربي، ثم نجحت واشنطن في توظيف اخطر صراع عربي/ عربي في التاريخ المعاصر، والذي نتج عنه قيام العراق باحتلال الكويت وتشريع أبواب المنطقة للتدخل الأجنبي. هكذا هو تاريخ الإمبراطوريات والقوى الكبرى في العالم: صناعة أحداث للاستفادة من نتائجها، أو توظيف أحداث قائمة لخدمة مصالح القوة الكبرى المهيمنة. فأمريكا ليست شواذاً في سلوك القوى الكبرى مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة والشعارات العقائدية للدول والمراحل التاريخية. والمشكلة ليست في وجود تخطيط أو تآمر أجنبي بل في عدم توقعه أو التحسب له ولأساليبه وأهدافه.
هي مشكلة «الداخل» الذي يوجد الأرض الخصبة لزراعة تآمر «الخارج» ثم يترك لهذا الطرف الخارجي ان يحصد النتائج. ولا اعلم إذا كانت صدفة تاريخية أن يتزامن عام سقوط الأندلس مع عام اكتشاف كولومبس للقارة الأمريكية. فقد كان ذلك التاريخ بداية لتكوين أمة جديدة قامت نواتها الأولى على قهر أصحاب الأرض الشرعيين واستبدالهم بمستوطنين قادمين من اوروبا خوفاً من اوضاع خاصة في بلدانهم او طمعاً في ثروات الارض الجديدة.
لكن نهب الأرض الجديدة وقتل وتشريد أصحابها الشرعيين، ثم الصراعات على الغنائم بين القادمين الجدد، ثم الحروب الأهلية والخلاف على تفاصيل السيادة والحكم وكيفية العلاقة مع الجماعات البشرية المستوردة بالقوة من أفريقيا.. كل ذلك، مع ما تخلله من سيطرة «ثقافة الكاوبوي» وانعدام التراث الذاتي الحضاري للأمة الجديدة، لم يكن كله أو بعضه سبب تحول الأرض المكتشفة منذ قرون قليلة إلى القوة العظمى الوحيدة الآن في العالم. أيضا، على الطرف الآخر (أي دولة الأندلس العربية الإسلامية) لم يكن سقوطها بسبب انعدام المضمون الحضاري الذاتي أو التخلف العلمي والثقافي، ولا طبعاً بسبب الابتعاد عن القيم الدينية... فالسقوط العربي والإسلامي في الأندلس كان خلال عصر ذهبي من الناحية الحضارية لكنه كان تتويجاً لحالة التسيب في الحكم والصراعات بين أمراء الأرض الأندلسية، وبينهم وبين باقي الولايات العربية والإسلامية.
أما بداية الانتشار الأوروبي في الأرض الأمريكية الجديدة فكان في خضم التخلف الحضاري الأوروبي لكن المهاجرين الأوروبيين استدركوا لاحقاً مصالحهم الخاصة في الارض الجديدة فجعلوا من انفصالهم عن اوروبا بداية لتكوين امة جديدة قامت على فكرة الانشقاق السياسي عن الدول الاصلية للجماعات المهاجرة، لكن دون انفصال فكري أو ثقافي عنها.
ورغم كل المساوئ التي رافقت نشوء الأمة الأمريكية الجديدة فان تحول خليط الثقافات والاعراق فيها إلى امة واحدة ما كان ليحدث لولا البناء الدستوري السليم الذي حافظ على التعددية في الخصوصيات (للافراد والجماعات) في ظل الانتماء إلى دولة فيدرالية واحدة. ما كانت أمريكا لتكون ما هي عليه اليوم لولا هذا المزيج المركب من البناء الدستوري والتكامل الاتحادي. فلقد فشلت تجربة الاتحاد السوفييتي (رغم أنها كانت إمبراطورية كبرى) لأنها قامت فقط على عنصر الامتداد الجغرافي القائم على الاتحاد بالقوة، وليس على نظام دستوري سليم ومناسب لهذا الاتحاد. أيضا، لم تنجح أي دولة بمفردها من دول أوروبا الغربية أن توازن الولايات المتحدة رغم الاشتراك معها في كيفية أساليب الحكم والصيغ الدستورية والمضمون الحضاري. لذلك اختارت هذه الدول الأوروبية (المتصارعة تاريخياً، والمتباينة ثقافياً) أن تحذو حذو أمريكا في الجمع بين التكامل الاتحادي والنظام الدستوري السليم الملائم لهذا التكامل وما فيه من جماعات متعددة. هذه هي الأمة الأمريكية الآن: أمة موحدة رغم ما فيها وما قامت عليه من تناقضات وصراعات عرقية وثقافية، أمة محكومة بدستور يتجدد ولو بفعل ضغط الشارع وليس بمبادرة من المشرّع الدستوري، أمة هي اليوم تقود العالم وتصنع احداثه ولو بالرغم من إرادة كل العالم. أما أمة العرب فهي الآن ممزقة سياسياً وكيانياً رغم ما هي عليه من وحدة ثقافية ومصالح مشتركة وتاريخ واحد بكل سلبياته وإيجابياته. وكما كانت مصادفة زمنية مهمة أن تسقط الأندلس في العام نفسه الذي جرى فيه اكتشاف القارة الأمريكية، هي أيضا الآن مصادفة مهمة ان يتزامن التفوق الامريكي والجبروت العسكري الامريكي مع العجز العربي والضعف العام السائد في المنطقة العربية. فالواقع العربي تحكمه الآن سمات مشتركة وليس مواقف مشتركة، وأبرز هذه السمات هي سمة الانتظار لما ستقرره واشنطن ثم التعامل مع قرارات واشنطن بشكل انفرادي عربي عوضاً عن التنسيق العربي المشترك والسابق للتطورات وتفاعلاتها. ولأن الأمة العربية الآن لا تحمل رؤية مشتركة لمستقبلها بل تعيش أحلاماً متصارعة أو كوابيس مشتركة، ولأن الأمة العربية الآن يكتفي حكامها ببيانات خطية دون خطط عملية لها، فإن هذا الواقع لا يعيق تنفيذ خطط الخارج على ارض العرب. فعسى أن يدرك العرب أن «محور الشر الثلاثي» بالنسبة لهم هو مزيج من خطط «الخارج» ومن واقع «الداخل»، وما بينهما من عدو إسرائيلي، وبأن مواجهة هذا المحور الثلاثي لا تتم إلا بدايةً بإصلاح أوضاع الذات، وعندها ينجح العرب في التعامل مع الآخر. ********************** [/size] | |
|